رياضة

دوري من فريقين فقط: دون لحظة ملل

دوري معترف به من قبل الفيفا، يتنافس فيه فريقان فقط على البطولة، على أن يلعبا ضد بعضهما 18 مرة في الموسم! إضافة لبطولتي كأس من 8 مباريات. فما القصة؟

future صورة تعبيرية: (دوري جزر سيلي)

دوماً ما تعطيك كرة القدم فرصة جديدة للانتقام، لكن ماذا لو تكررت الفرصة كل يوم أحد طوال فصل الشتاء؟! هذا ليس من باب الفانتازيا بل هو الحال في دوري إما أن تكون فيه البطل وإما أن تكون الأخير، فلا يوجد وسط هنا والسبب ببساطة أن هذا الدوري يتكون من فريقين فقط.

مرحباً بكم في دوري جزر سيلي المعترف به من قبل الفيفا، حيث يتنافس فريقان فقط على البطولة، على أن يلعبا ضد بعضهما 18 مرة في الموسم! ولأنه لا طعم للدوري من دون بطولة كأس، فهناك بطولتا كأس من ثماني مباريات.

هذا بخلاف مباراة أخرى ودية يلعب فيها شباب الجزيرة ضد فريق من الرجال العجائز الذين هم القوام الأساسي لسكان الجزيرة وهو ما يفسر لنا الكثير.

السبب وراء تلك الظاهرة

لم يكن الأمر كذلك في السابق، فقبل الخمسينيات من القرن الماضي كانت هناك أربعة فرق تتنافس على ألقاب كرة القدم في جزر سيلي، إلا أن الشيخوخة السكانية أطاحت بهذا الدوري الصغير.

فبين عامي 2011 و 2021، انخفض عدد السكان في جزر سيلي بنسبة 6.8%، وارتفع متوسط ​​أعمار المتبقين من 46 إلى 50 عاماً خلال نفس الفترة. ومع الافتقار إلى أي خدمات تعليمية في الجزر بعد سن 16 عاماً، فهذا يعني أن عديداً من الشباب الواعدين ينتقلون إلى مقاطعة كورنوال في إنجلترا لمواصلة دراستهم.

تشتهر جزر سيلي بأنها مكان يتمتع بجمال خارق؛ شواطئ ذهبية نقية ومياه صافية زرقاء وتلال خضراء يانعة، كما أنها مكان يتمتع بسلام هائل. وهي في ذلك تحافظ على هويتها كمكان مثالي لقضاء إجازة صيفية هادئة بعيدة عن صخب المدن الكبيرة الذي لا يتوقف، فعلى سبيل المثال قد يكون نادراً أن يعتمد أحد على سيارة للتنقل داخل الجزيرة.

وأدى تهافت المصطافين على المنازل إلى ارتفاع أسعار العقارات واستحالة عثور الشباب على منزل للشراء بشكل دائم ، وهذا يعني ببساطة أنه لا أحد يمكنه القدوم حتى من خارج الجزر لينضم لفرق كرة القدم.

المزيد من الغرائب

الأمر لا يتوقف عند دوري من فريقين فقط، بل إن تكوين تلك الفرق واللعب بشكل أسبوعي أدى إلى مزيد من الغرائب.

فقد أدى التنوع الكبير في الأعمار إلى اضطرار رئيس أحد الناديين إلى اللعب وهو في سن الـ65، ناهيك عن الصبية المستعدون للحضور لمشاهدة المباريات وهم يمسكون بأحذيتهم وعلى يقين بأنهم قد يحصلون على فرصة للعب، هل هذا يعني أن الناديين لا يقومان بتسجيل لاعبين محددين قبل بداية الدوري؟ بالطبع لا.

يقوم كل ناد بتسجيل لاعبيه قبل بداية الدوري، لكن العجيب أنك لن تعرف أبداً إلى أي ناد تنتمي قبل بداية الدوري! حيث يختار قائدا الفريقين فرقاً جديدة قبل بداية الموسم، ويتناوبان على اختيار اللاعبين حتى لا يتبقى أي لاعبين، تماماً مثلما يفعل تلاميذ المدارس في الملعب، لا ينقص هذا المشهد سوى أن يصيح قائد الفريق في وجه منافسه: «قاصدتك».

تهدف عملية الاختيار تلك إلى الحفاظ على تكافؤ المنافسة الرياضية، إلا أن هذا وللأسف لا يمكن تحقيقه على مدار الموسم بأكمله. فبعد أن تختار لاعباً تعتقد أنه الأهم لفريق لا تستغرب إذا قرر الرحيل عن الجزيرة في منتصف الموسم حيث توفرت له فرصة عمل أفضل، ناهيك عن الإصابات والالتزامات شديدة العادية التي قد تهدد تكوين فريقك الأساسي.

شكل المباريات

تقام مباريات دوري سيلي كل يوم أحد طوال فصل الشتاء، لذا قد تلاحظ آثار الخمر على اللاعبين من سهرة يوم السبت، إلا أن هذا لا يمنعهم أبداً من الطقوس الاجتماعية المتمثلة في مباراة الأحد.

يبدأ اللاعبون في أداء واجباتهم لإقامة المباراة، فينطلق أحد اللاعبين لوضع علامات على عشب الملعب، وآخر لوضع أعلام الزوايا، بينما يتم إرسال سربين لوضع الشباك، وآخر إلى الجانب البعيد ومعه عربة يدوية ومجرفة لملء حُفر الأرانب!

أما بقية اللاعبين فيتجمعون خارج غرف تبديل الملابس، وهم يدخنون لفافات السجائر بينما البعض يأكلون شطائر من لحم الخنزير المقدد، ويعتري الجميع القلق حول اكتمال كل فريق، ولا حديث إلا عما إذا كان هذا الأسبوع سيشهد مباراة كاملة تضم 11 لاعباً أم سيتم تأجيل المباراة بعد أن تكبدوا عناء المجيء إلى الملعب.

ولأن المباريات تقام في الشتاء، فعليك أن تتوقع طقساً صعباً حيث تلعب معظم المباريات في البرد والثلوج والأمطار الغزيرة والضباب الكثيف ولا غرابة إن كان هناك مزيد من الرعد والبرق.

كقاعدة عامة، تلغي المباريات فقط عندما يكون سطح الملعب مشبعاً بالمياه بشكل سيئ، إلا أن هناك مباراة توقفت لأن أحد اللاعبين التوى كاحله في حفرة أرنب، يبدو أن اللاعب المخصص لملء حفر الأرانب لم يعمل جيداً هذا اليوم!

اهتمام إعلامي أم مادة للسخرية

هذا الدوري العجيب جذب أنظار العالم دون شك، لذا فلاعبو كرة القدم في جزر سيلي معتادون على الاهتمام الإعلامي وليس الجماهيري، بل ويستضيفون بانتظام الصحفيين وطواقم التلفزيون من جميع أنحاء العالم.

كان الحدث الأكبر في عام 2008، حيث قامت شركة «أديداس» بتصوير سلسلة من المقاطع الترويجية، وذلك من خلال إحضار نجوم أمثال ديفيد بيكهام وستيفن جيرارد وباتريك فييرا ومايكل بالاك لتدريب اللاعبين الشباب في الجزر تحت الاختبار كجزء من حملتها Dream Big، هذا قبل الاسترخاء على الشاطئ وتناول السمك والبطاطس المقلية بالطبع.

منذ ذلك الحين، قامت طواقم التلفزيون بالتردد على الجزيرة بشكل شبه منتظم لنقل ما يحدث هناك، يمكنك ببساطة أن تجد تقارير مصورة من هيئة الإذاعة الإيطالية وقناة «Sky Sports» وهيئة الإذاعة البريطانية « BBC» للحديث عن أغرب دوري في العالم، لكنه اهتمام إعلامي يراه البعض في الجزيرة دون عمق حقيقي.

عبر أحد اللاعبين عن ترحيبه بهذا الاهتمام، لكنه يراه مشوباً بدرجة كبيرة من الحيرة، حيث قال نصاً، «نحن لسنا متأكدين أبداً مما إذا كان الناس مهتمون بنا أو يسخرون منا».

جزر سيلي ليست مكاناً سهلاً للعيش خصوصاً في الشتاء حيث الركود والظروف المناخية الصعبة، هذا يجعلها بالتأكيد ليست مكاناً سهلاً لإدارة دوري كرة قدم. ولهذا السبب يأتي الغرباء، لمعرفة كيف يمكن للرياضة أن تبقى حتى في مثل هذه البيئة القاسية.

كل هذا ينتج لنا الدوري الأعجب في العالم، حيث يتجمع اللاعبون في نفس المكان، كل يوم أحد، في نفس الوقت، ونفس الفرق،  وعلى الأغلب لا يمكن لأي لاعب أن يتذكر حقاً أي فريق يلعب له. إلا أن كل هذا لا يهم، فهم يأتون من أجل الطقوس، من أجل الهوية، فقط من أجل لعب مباراة تتكرر دون ملل.

# رياضة # كرة قدم

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة